الاثنين، 17 أغسطس 2009

حكايات الديك منصور مع مواطن مقهور .


كانا مطرقين في حزن وصمت نشزه صوت ارتشافهما لكوبي الشاي في سقيفة بيت إبراهيم الذي يتوسط مزرعته الصغيرة _ كانت شمس ذلك اليوم الشتائي تلملم ما تناثر من بقاياها فوق أشجار الزيتون والنخيل لتمعن الارتحال ... صاح مصطفى فجأة مخاطبا إبراهيم حتى طار الديك ودجاجاته الذين كانوا يلتقطون الطعام بالجوار هلعا:

بالله عليك الآن وبينما أنا وامرأتي اللعينة في طريقنا لأن نصبح ثلاثة كيف سأتدبر أمري بعد أن أقفل موظفي البلدية المحل بالشمع الأحمر الذي ليس لي مورد رزق سواه ، بل ما عساي أن أقول لتلك الحيزبون التي تنتظرني كل ليلة بطلباتها التي ستؤدي بي للجنون أو السجن ... في الأشهر الماضية كانت ترمقني بنظرات التهكم والشك وأخيرا وبعد ان دفعت كل ما املك لقاء المقويات والحقن والأدوية ها أنا أقف عاجزا عن طلباتها هي والجرو الذي في بطنها ..

صاح الديك :

[ كوكوكووو] بما يشبه القهقهة وهو ينفض جناحيه ورمق مصطفى بنظرة استفزاز ترجمها كالأتي :

أيها المفلس أنت محرج في فحولتك دائما والآن ها قد جاء دور فحولتك المالية .. ها أنا أرفل وأتنعم بين حريمي اللائي ملأن المكان بيض وكتاكيت بفضل وصنيع العبد لله وحده بالرغم من كوني أعيش عيشة الصائعين لا عمل أو وظيفة أو التزامات أو مصاريف أو دين إلا أن ذريتي فاقت تعداد جيش دولة عظمى .. وتفادى برشاقة وخفة الحذاء البائد الصاروخي الذي رماه به مصطفى مقهقها مرة ثانية كوكوكوووووووو .

بالترجمة الحرفية الشعبية :(طيح سعدك اجعنك تاخذ سوي)

وهنا تدخل إبراهيم مؤنبا مصطفى: ما ذنب هذا المخلوق المسكين لتمطره بلعناتك وحذائك !!؟

لم يعقب مصطفى وظل مطرقا في أسى .. قام بإخراج سيجارة من جيبه وأخرى ناولها لإبراهيم الذي ظلت عيناه مسمرتان نحو الديك الذي كان يميل رأسه ويهزه فيما يبدو أنه يذكره بالعداوة الخفية بينهما متمتما : كاك كاك كاك كاك

فقد استبد الحنق والسخط بإبراهيم أمس صباحا حينما وجد الديك يتخذ متكأ بين دجاجاته وسط الكوخ الصغير الذي كان قد بناه ليتخذه مستودعا لبعض حاجياته وأدواته .. مشهد رسم لإبراهيم صورة أمير عربي أو هارون الرشيد يتمطى منتشيا بين جواريه وقيانه في إحدى أفنية قصره المطلة على حدائق ثمر وزهر وماء ووجوه حسنة..

الأمر الذي جعله يعقد مقارنة لوضعه البائس وهو العاجز حتى عن الحلم بشعرة من رأس (دجاجة).. عفواً !! شعرة من رأس فتاة أحبها بكل جزء من قلبه المفطور والملتاع لا شيء إلا لضيق ذات اليد وقلة الحيلة في أن يكمل بناء بيته الصغير حتى.. فما بالك بالمهر وتكاليف الزواج.. امتقع وجه إبراهيم وانتفخت أوداجه .. رمى شيئا كان يحمله في يده على الأرض وكشر وزمجر صائحا بالديك : أخرج يا وسخ يا قذر أما كفاك كل ذلك البراح لتنثر فيه فضلاتك أنت وهؤلاء الحقيرات لتتعدى على هذا الكوخ أيضا .. وحين هم بأن يأخذ بعنق الديك ليقذف به خارجا ... وقف (أي الديك) وقفة حر لم يقفها جنرال عربي مع أخوانه في غزة مدافعا عن ارض استبيحت وحرة استجارت ..قبض بمنقاره على إصبع إبراهيم وطار وهي يكأكيء بعزة المظفر المنتصر.. بينما ترك شيئاً من فضلاته للذكرى فوق أنف إبراهيم وجبهته.

بينما كان الديك يركض راقصا على وقع سامبا النصر وقد التففن حوله حريمه يشاركنه احتفاله في هرج ومرج .. لم يشف غليل إبراهيم إلا:

( يا ديك الكلب.. وووووالله نربيك عليها).

استرجع إبراهيم الكلمة الأخيرة :(نربيك عليها؟) .. ياللقهر .. فعلا ومن يقوم بتربيته وإيوائه هو وذريته وأهله أجمعين سواي .. أقوم منذ الصباح أحمل الطعام والماء والحبوب للراقدات على البيض .. والمتسكعات بصحبة صغارهن .. فبالامس خمشت وجرحت وجهي ويدي الشجرة الشوكية الملتفة حين كنت احاول اخراج كتكوت لعين ناشز ظننته علق تحت أغصانها وفي النهاية خرج بمشيئته راضياً بعد أن اكمل جلسته الاعتكافية والتأملية وبعد نالت مني الاشواك واسالت دمائي .. بينما كان أبيه الديك الفاشل منشغلا عنه بالتودد إلى دجاجته الصهباء .. أجل الصهباء .. تلك التي يذكرني ريشها بشعر حبيبتي صالحة ..تلك العصفورة التي لا أدري كيف حطت على كتفي وقلبي يوما والتقطت من كفي الحَب والحُب .. كان يكفيها ويغنيها حبي لها دونا عن كل شيء .. لقد أرادها الجميع لكنها أرادتني وحدي .. أعرف ان عشقها لي كان لاذعا كالملح فوق الجرح وبأنني حطمت قلبها الصافي كالمرايا .. رأيته يسقط وينفدع..ويتناثر.. كل شظية منه تصرخ بي .. لماذا فعلت ذلك بحق الأرض والسماء؟

(سامحيني أنا فقير .. لا أملك شيئاً.. وأنتِ تعرفين أهلك أكثر مني).

اللعنة على كل أموال الأرض وعلى أهلي أيضا.. أنت فقط أهلي وموطني ومنفاي.

أبتسم في شوق ومرارة .. لعل اصطباري على هؤلاء الملاعين هو أنها تذكرني بصالحة التي لطالما كانت تسألني عنهم فردا وفردا وترسم حولهم الحكايا والأقاصيص الشيقة الشقية وتوصيني بهم خيرا ..

بل إنها تلومني دائما اذا اشتكيتهم إليها .........


سالمين خليفة

ليست هناك تعليقات: