الخميس، 25 نوفمبر 2010

الليبي اشهر منتظر في التاريخ ...

إنه لا يوجد منتظِر بلا موعد ولا قادمين ولا نهاية إلا المواطن الليبي !
كل برامج المواطن الليبي مؤجلة؛ فهو يعيش حالة من الإنتظار منذ سنين طويلة؛ ففي كل يوم يعيشه؛ ينتظر غدَه.
ينتظر مزرعة من أمانة الزراعة .. وبيتا من أمانة المرافق .. وقرضا .. وسلفة .. وسيارة .. وأثاثا .. وأجهزة كهربائية .. وكلَّ شيء؛ إنه ينتظِر الوظيفة، ودورَهُ في العلاج بالخارج، وحتى مولوده القادم ينتظره قلِقاً من نزوله في مصحاتنا الشعبية حيا أو ميتا أو بين هذا وذاك !.

إنه ينتظِر حصتَه من نفط بلاده، وينتظرالديمقراطيةَ والحريات والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والصحافة المستقلة.
.. وهو أيضا ينتظر (ليبيا الغد) وينتظر حتى (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى الغد) بنفس الرغبه والقدرة على الإنتظار .

إنه ينتظر الغِنَى، وزيادة مرتبه، كما ينتظر أكياسَ الأسمنت والحديدَ والخشب، وينتظر مصرف الإدخار ليمنحه قرضا أقسم أنه لن يمنحه !.

ينتظر رؤية بلادِه خضراء ! وينتظر الربيعَ الذي لم يستمتع به يوما !.

المواطن الليبي ينتظر دوره في العيادة والمستشفى والمصحة وغرفة العمليات، وحتى عامل الكهرباء ليعيد النور إلى بيته.

لقد ذهب عمره، كلَّه، في الإنتظار؛ فهو ينتظر الحصولَ على قطعة أرض، وبناءَها، وتجديدَ سيارتِه العتيقة وأثاثِ بيته الذي تصدَّعَ هو والبيت على حد سواء .

إنه ينتظر نجاحَ أبنائه في مدارسَ بلا مدرسين، وشفاءَهم في مستشفياتٍ مُعاقة، وترييضَهم في أندية أشبه بالثكنات العسكرية .

.. ينتظر إصلاحَ الطرقِ والأحوال، ووصولَ المياهِ العذبة إلى باب بيته .

وبين كل قائمة انتظارات وقائمة أخرى ينتظر التعيين؛ له، ولأولاده، ولبناته ! (وهو حكاية !) . وينتظر ترقيته التي تأخرت سنينا ليعيشَ مستورًا مثل باقي الخلق المستورين .

المواطن الليبي ينتظر إصدارَ جواز سفره، وبطاقته الشخصية، ورقمه الوطني، ورقم معاش تقاعده أو شيخوخته، وينتظر أحكامَ المحاكم، (وما أدراك ما أحكام المحاكم !) .

.. ينتظر صدورَها وتنفيذَها واحترامَها وحمايتَها !.

ينتظر الإجازة ولا يتمتع بها .. ينتظر الفرصة ولا ينالها .. ينتظر الترقية ولا تمنح له، وينتظر كل شيء ولا يتحصّل على شيء سوى المزيد من الإنتظار ..، إنه ينتظر حتى عامل القمامة ولا يأتيه !.

انتظار فوق انتظار؛ فلا يأس، ولا كلل، ولا ملل ! إنَّ أجملَ ما في الليبيين أنهم لا يفقدون الأمل، لا يغيب الأملُ عن ناظرَيهم مهما بدا انتظارُهم طويلا خانقا وبلا أية بشائر . بل وربما يحزن الليبي إذا حقق مكسبا نتيجة هذا الإنتظار ! (وهذا بالطبع بعيد الإحتمال)، لأنه لا يحبُّ غيرَ الإنتظار . ولا يعشقُ ويطارد ويغازل إلا الإنتظار .. ولا يدمنُ سواه .
إنه يغزِلُ الإنتظارَ بالإنتظار؛ يتنقُّل طيلةَ نهارِه بينها، ويصنّف طوالَ ليله انتظاراتِه حسب الحاجةِ أو المكسب أو الأقدمية !.

إنه ينتظر الطائراتِ والبواخرَ والحافلات . مثلما ينتظر مرتب أخته الضماني، أو مرتبَ زوجها الشهيد أو المتوفى، ونفقتَها، ونفقةَ عيالها، واستقرارَها بمنزل الزوجية .

فيا لقدرة الليبي على الإنتظار !؛ إنه ينتظر دوره في الحج، والعمرة، وحتى في الصلاة في بيوت الله أحيانا . ولأنه أدمن الإنتظار، فهو ينتظر حتى مِرقابَ الحكومة ليتم إخباره بعدم ثبوتِ رؤية الهلال رغم أنه رآه بعينيه الإثنتين .

ينتظر التوبةَ والموتَ والآخرة .. وينتظر (إصلاحا) بنفس اللهفة التي ينتظِر بها آخرون (مَهديّاً) لا يُنتظَر خروجه .
إنه ينتظر تغيير وجوهِ المسؤولين التي أصبحت مألوفةً لديه أكثر من وجه زوجِه ووجوهِ عياله؛ وينتظر تقديم ناهبي ثرواته وسارقي حريته وصحته إلى العدالة .

فالليبي، هو بلا منازع، سيد المنتظِرين، بل هو المنتظر الوحيد الذي تُفتح أمامَه كلُّ الأفواه استغرابا وعَجبا واندهاشا .

.. حتى إنه ينتظر أشياءَ ينتظرها مستقبلا !!؛ فالليبي هو المنتظِر الأول الذي لا مُثاقِف له ولا مُناجِز أو مُنافس أو مُسابق، إنه أشهرُ منتظِر في التاريخ !.. بطلٌ دون مُتحدٍّ أو مُبارٍ أو حتى حاسدٍ أو حاقد أو مُتمنٍّ زوال مجده وبطولاته !.

فلماذا كلُّ حياة الليبيّ انتظار ؟!.

لماذا يضيِّع عمرَه ـ كلَّه ـ في الإنتظار !؟ .. لماذ يضيِّع عمرَه في التنقل بين المحطّات المهجورة منتظرا قطارًا لن يأتي، قطارٌ لن يمرَّ أصلا من مكانِ انتظارِه .

.. قطارٌ لم يره أحد ..، ولن يركبه، لأنه ـ ببساطة ـ لم يُصنَعْ بعد !!.

ألا ليتَ عفاريتَ انتظارِنا ترحل !.

إنّ الليبي ينتظِر لا ليحصلَ على شيء وإنما ليعيشَ متعةَ الإنتظار، ويستمتعَ بالحديث عنه؛ إنه إدمان مجانيّ لا يتطلَّب نقودا لشرائه !.

ومع ذلك إذا سأله أحد : ـ " مِن أين أنت ؟ " يردّ : ـ " أنا ليبي ! "، والحقيقة لا أحد يعرف إذا كان يقولها بفخر أو بنفخة كذَّابة.

مقاال للكااتب : علي المجبري .. نقلا عن موقع ليبيا جيل ..

ليست هناك تعليقات: